السبت، 25 غشت 2012

المعازيز.. قرية تباع بالتقسيط وتسبح فوق بركة من «الفضلات»

تعيش قرية المعازيز، التابعة لإقليم الخميسات، أوضاعا مزرية دفعت سكانها إلى الخروج للاحتجاج، في أكثر من مناسبة، مطالبين بفك العزلة عنهم وتوفير التجهيزات والخدمات الطبية الضرورية، حث يؤكد السكان أن قريتهم تعاني من غياب تام لأبسط الخدمات التي تقدمها المرافق العمومية، بالإضافة إلى الهشاشة التي تعرفها البنية التحتية، ناهيك عن البطالة المتفشية بشكل كبير في القرية. إضافة إلى مشكل قنوات الصرف الصحي الذي جعل العيش في بعض الأحياء مستحيلا بسبب الروائح الكريهة، مما جعلها “قرة تسبح فوق فضلاتها”.
الساعة تجاوزت العاشرة مساء بقليل. مجموعة من الشبان يتحلقون حول موائد بلاستيكية بمقهى “القناص”، يحاولون استعادة شيء من نشاطهم بعد يوم صيفي حار، كعادتهم بعد صلاة العشاء من كل يوم من أيام الفصل القاسي بالمنطقة. أغلب الموجودين هنا من أبناء منطقة “المعازيز”، الذين أجبرتهم الظروف على اللجوء إلى المدن المجاورة من أجل البحث عن عمل خلال النهار، فيما يلجؤون إلى التجمع هنا ليلا من أجل الحديث عن الأوضاع المزرية التي آلت إليها قريتهم.
كان الضوء المنبعث من المقهى خافتا، لكنه كان كافيا لضمان جلسة ليلية للمسامرة بين السكان، والذين لا يملكون في النهاية الكثير من الخيارات أمامهم، في ظل انعدام فضاءات للترفيه أو النزهة في القرية. فجأة تحول نسيم الليل إلى ريح خفيفة، اهتزت معها أسلاك الكهرباء النحاسية الممتدة على طول القرية، قبل أن ينقطع التيار الكهربائي عن الشارع الرئيسي، وعن كافة المحلات والمنازل الموجودة على طول الشارع، وتترك السكان غارقين في ظلام دامس. “لقد تعودنا على هذه الانقطاعات المتكررة للكهرباء، حيث أصبحت هي القاعدة التي من المفروض علينا التعايش معها، في ظل الإهمال الذي تتعرض له القرية من طرف المسؤولين”، يقول أحد الشباب المتحلقين حول طاولات المقهى، قبل أن يعود لمواصلة الحديث مع رفاقه وسط الظلام الدامس الذي خيم على المكان.

نسبة الجريمة مرتفعة

الانقطاع المتكرر للكهرباء بالمنطقة راجع بالأساس إلى اهتراء الأسلاك التي يتم عبرها نقل التيار الكهربائي، وهي أسلاك نحاسية متقادمة، رغم أن ربط القرية بالتيار الكهربائي لم يمض عليه الكثير من الوقت. ورغم أن هذا المشكل كان موضوع عدة شكايات من طرف سكان المنطقة موجهة إلى القيادة، نظرا لما تشكله هذه الأسلاك من خطر على حياتهم، فإن المسؤولين عن المكتب الجهوي للماء والكهرباء رفضوا مجرد الحضور إلى مقر القيادة، من أجل الحديث إلى ممثلي السكان بخصوص هذا الموضوع، يقول أحد الفاعلين الجمعويين بالمنطقة لـ”المساء”، قبل أن يضيف ونبرة يأس واضحة تعلو صوته: “طالبنا بتعويض هذه الأسلاك النحاسية بأخرى مغلفة، لأن تكرار انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة يخلق جوا مناسبا للمنحرفين من أجل تنفيذ جرائمهم تحت جنح الظلام، خاصة خلال فصل الشتاء”.
شهادات سكان قرية “المعازيز”، الذين استقت “المساء” آراءهم، تجمع على أن منطقتهم أصبحت تشكل نقطة سوداء فيما يخص توفر الأمن، خاصة مع حالات السرقة والاعتداء المسجلة يوميا، فضلا عن جرائم القتل المسجلة سنويا، وهو ما عزاه السكان إلى غياب الأمن عن المنطقة، “فعلى الرغم من وجود مركز للدرك هنا، فإن هناك ضعفا للدوريات بهدف تأمين السكان، في حين لا يوجد في كافة تراب الجماعة سوى “مخزني” وحيد”، يقول أحد سكان المنطقة وهو يهز رأسه دلالة على فقدان الأمل.
مشكل الكهرباء ليس الإشكال الوحيد الذي يعاني منه السكان، فهم يعانون أيضا من تلوث مياه الشرب التي لا يستفيد منها السكان نتيجة التسربات المتكررة للأوساخ والقاذورات إلى أنابيب نقل تلك المياه، بسبب تقادم تلك الأنابيب وعدم صلاحيتها لنقل مياه الشرب.

قرية تسبح فوق فضلاتها

إذا كان انقطاع الماء والكهرباء مشكلا تتقاسمه جماعة “المعازيز” مع العديد من المناطق المغربية المهمشة، فإن أكبر عائق يقف في وجه السكان حتى يعيشوا حياة عادية هو غياب شبكة لقنوات الصرف الصحي بالقرية، التي تضم ما يقارب 12 ألفا من السكان.
الزائر إلى القرية يفاجأ بقوة الروائح النتنة المنبعثة من كل ركن فيها، والتي تجعله يعتقد بأنه دخل إلى مطرح كبير للنفايات، وهي الروائح التي تزداد حدة مع ارتفاع درجة الحرارة في المنطقة خلال فصل الصيف، مما يحيل حياة السكان طيلة النهار إلى جحيم. المياه الممزوجة بكميات من البول والفضلات البشرية تبدو من فوق العربة الخشبية المخصصة لنقل السكان داخل القرية أشبه بندوب رسمت على وجه القرية الواقعة بين منطقتي الأطلس والشاوية، في الوقت الذي تنكر لها المسؤولون المفترض فيهم معالجة مشاكلها.
تعود معضلة افتقار قرية “المعازيز” إلى شبكة للصرف الصحي إلى عشرات السنين، إذ رغم تحولها إلى “فيلاج” خلال سنوات التسعينيات من القرن الماضي، واستفادتها من التوصيل بشبكة الكهرباء والماء الصالح للشرب، فقد ظلت محرومة من قنوات ومجاري الصرف الصحي، رغم الوعود المتكررة للمسؤولين عن الإقليم الذي تتبع له الجماعة.
في سنة 1996 تم إنجاز دراسة من طرف المجلس القروي للمعازيز، وهي الدراسة التي كلفت خمسين مليون سنتيم، من أجل تحديد القيمة المحتملة لإنجاز شبكة للصرف الصحي بالقرية، والتي حددت فيما بعد في مليارين و600 مليون سنتيم، ليستفيد منها 5000 منزل بالقرية، لكن بقي عائق التمويل يقف كحجر عثرة أمام تنفيذ المشروع، في ظل ضعف الإمكانيات المالية للجماعة، وغياب شراكات مع المؤسسات العمومية المعنية بالأمر، خاصة المكتب الوطني للماء الصالح للشرب.
“رغم أننا وعدنا بحل المشكل قبل سنة 2010 من طرف عمالة الخميسات التي يتبع لها الإقليم، فإن كل تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح، مما دفعنا إلى عقد شراكة مع كل من المكتب الوطني للماء الصالح للشرب ووزارة الداخلية، كما قمنا باقتناء أرض لإنشاء محطة لمعالجة المياه بجماعة “تيداس” المجاورة، على أن ينطلق المشروع سنة 2013 بمجرد توفر التمويل اللازم له، لكن النزاع مع صاحب الأرض وصل إلى المحكمة، بعدما طالب هذا الأخير بمبلغ 120 مليون سنتيم، في حين حددت الخبرة التي أجرتها لجنة مستقلة ثمن الأرض في 60 مليون سنتيم”، يقول مبارك بونوار، نائب رئيس الجماعة القروية للمعازيز.

“الخراجات” لتصريف المخلفات

أمام تعثر مشروع إنجاز شبكة للصرف الصحي بالجماعة لجأ السكان إلى حلول فردية من أجل تصريف المخلفات التي “ينتجها” كل بيت على حدة، من خلال حفر “مطمورات” أمام المنازل، أو ما يطلق عليه سكان المنطقة “الخراجات”، التي يستعملونها كمخزن لتصريف مخلفاتهم الطبيعية، على أن يفرغوها فيما بعد في أحد الأنهار التي تعبر المنطقة.
وتنتشر هذه “الخراجات” بالأساس في أحياء الأمل والتنمية، المعروف بين سكان المنطقة باسم دوار “حموت”، وهي من الأحياء القديمة بجماعة المعازيز، والتي يعود تاريخ إنشائها إلى أزيد من أربعين سنة. لكن انتشار هذه “الخراجات” في أزقة القرية كبديل لقنوات الصرف الصحي قد تؤثر مستقبلا على أسس هذه المنازل التي بنيت غالبيتها من الطين، خاصة أن العمر المفترض لها لا يجب أن يتجاوز العشر سنوات. كما أن انتشارها بين المنازل يجعل من المستحيل دخول سيارات الإسعاف إلى المناطق السكنية المبنية أصلا بطريقة عشوائية.
ورغم المحاولات المبذولة من طرف بعض أبناء المنطقة من أجل إنشاء وداديات سكنية للاعتناء بأحياء القرية، فقد باءت كل محاولاتهم بالفشل، في ظل الفقر والأمية اللذين ينتشران بقوة في أوساط سكان المنطقة، ليبرز دور بعض الجمعيات على قلتها، والتي تعمل على توعية السكان، ونقل معاناتهم إلى المسؤولين.

تلوث في مياه الأنهار

تقع قرية “المعازيز” بين نهرين، هما نهر “تانوبارت” الذي يصب في سد مولاي عبد الله، ونهر أبي رقراق. ويبقى هذان النهران هما المطرح الوحيد المتاح أمام سكان المنطقة من أجل التخلص من مخلفات منازلهم، سواء تلك التي تمتلئ بها “الخراجات”، أو ما يتعلق بالنفايات المنزلية التي يفترض أن تتكلف بجمعها مصالح الجماعة، في ظل افتقار منطقة “المعازيز” إلى مطرح عمومي للنفايات.
على جنبات نهر “تانوبارت”، انتشرت كميات كبيرة من الأزبال، تتنوع بين مخلفات المنازل ومخلفات الأراضي الزراعية، مما شوه المنظر الذي كان يفترض أن يكون جميلا، بحكم مرور النهر عبر مجموعة من الأراضي الفلاحية. “هذا النهر كان قديما بمثابة البحر بالنسبة إلينا، وكنا نسبح فيه أيام الحر، قبل أن يتحول حاليا إلى نهر موسمي الجريان، وتتسبب المخلفات التي تلقى فيه في تلوث مياهه، مما يهدد صحة الأطفال والشباب الذين لا زالوا يقصدونه للترفيه عن أنفسهم”، يقول الحاج عبد الرحيم وهو يطلق تنهيدة حارة من صدره، بدا كأنه يفرغ معها كل الأسى الذي يشعر به على ما آلت إليه أوضاع منطقته.
وكانت مجموعة من الجمعيات المحلية قد تقدمت بطلب لإنشاء محطة لتصفية المياه، حتى يتمكن السكان وأراضيهم الفلاحية من الاستفادة من مياه الأنهار التي تمر من المنطقة، إلا أنهم فوجئوا برد رئيس الجماعة القروية للمعازيز، والذي أكد لهم بأن الجماعة لا يوجد في ملكيتها أي وعاء عقاري. هذا المعطى أكده لنا نائب رئيس الجماعة مبارك بونوار، الذي أضاف أن الجماعة “لا تتوفر إلا على شاحنة صغيرة واستعمالات متعددة، وقد سبق أن كانت هناك محاولة لإنشاء مطرح جماعي بين عدة جماعات، وتفويض تدبيرها إلى شركة خاصة، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل”.

مشروع مدينة

سنة 2009 عرفت منطقة “المعازيز” فيضانات كبيرة، جراء طغيان مياه نهر “تانوبارت” بعد تساقطات مطرية غزيرة عرفتها المنطقة، على غرار باقي مناطق المغرب، مما تسبب في عدة خسائر مادية، بالإضافة إلى تهجير السكان القاطنين بالمحاذاة للنهر، خاصة سكان الأحياء القصديرية الذين قدر عددهم بأكثر من 400 أسرة.
بعد تلك الفيضانات، قامت الجماعة القروية للمعازيز بالتقدم بطلب للاستفادة من 23 هكتارا من أرض “صوديا” تقع بجوار الجماعة، من أجل إعادة إسكان السكان المتضررين من الفيضانات، بعد أن قامت بإنجاز تصميم لما يشبه مدينة جديدة، تضم عدة مرافق حيوية كالأسواق والفضاءات الخضراء، من أجل تجهيزها لاستقبال ساكنة أحياء النهضة والسي البوهالي (حي الأمل).
لكن طلب الجماعة قوبل بالرفض من طرف وزارة الفلاحة، بحجة أن الأرض موضوع الطلب قد فوتت إلى أربعة مهندسين من خريجي معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، حتى يقوموا بإجراء تجاربهم فيها، “رغم أننا طالبنا عدة جهات بالتدخل لصالحنا من أجل إنجاز المشروع، إلا أن العائق الأخير أمامنا بقي متمثلا في توقيع وزير الفلاحة على تفويت القطعة للجماعة”، يقول نائب رئيس الجماعة القروية للمعازيز.

قرية تباع بالتقسيط

“لا يوجد أي عقار في ملكية جماعة المعازيز”. هذه الجملة كانت كافية لتلخيص الوضعية العقارية في هذه القرية المهمشة. فبقدر ما تبرز الوضعية المالية المتأزمة للجماعة، بقدر ما تظهر سيطرة بعض الأفراد على الملكية العقارية في القرية، بما فيها الشوارع والأزقة!
“القرية بكاملها هي في ملكية أخوين اثنين”، يقول محمد شمراح، أحد أبناء المنطقة ومن أبرز فاعليها الجمعويين، قبل أن يستطرد وعلامات الغضب بادية على وجهه: “نشهد يوميا عمليات تفويت عقارات كثيرة، بل وصل الأمر بالمعنيين بالأمر إلى بيع “زناقي” بأكملها، مما يهدد التصور العمراني للقرية عموما”.
الشخصيتان النافذتان في القرية لم تكلفا نفسيهما – حسب شمراح – عناء بناء دور للشباب موجهة لأبناء القرية، أو تخصيص مساحات لإنشاء فضاءات خضراء مفتوحة في وجه السكان، بقدر ما ينصب تركيزهما على مضاعفة ممتلكاتهما، والسطو على المزيد من الأراضي في القرية.
أمام هذا الواقع من التهميش الذي تعاني منه منطقة “المعازيز”، يبقى السكان في انتظار التفاتة قد تبدو متأخرة من المسؤولين، لكنها ستنقذهم من معاناة ممتدة منذ عشرات السنين، وإن كان أغلب من التقتهم “المساء”، يربطون تطور منطقتهم بزيارة ملكية عابرة، قد تدفع المسؤولين إلى تغيير نظرتهم إليها، وإيلائها العناية اللازمة لتطويرها، وجعلها منطقة تنتمي للقرن الواحد والعشرين.

مستوصف وحيد لأزيد من 12 ألف نسمة

يعتبر قطاع الصحة من بين النقط السوداء في القرية، بحكم أنه المستوصف الوحيد الموجود بها، ويعود تاريخ بنائه إلى سنوات طويلة، بالإضافة إلى أنه لا يتوفر إلا على طبيبة واحدة لما يفوق الـ12 ألف نسمة هو عدد سكان القرية، في ظل غياب تام للمعدات والتجهيزات الطبية اللازمة، مما يدفع سكان المنطقة – وخاصة منهم النساء الحوامل – إلى اللجوء إلى كل من الخميسات أو الرباط القريبتين.
يقول محمد شمراح، الفاعل الجمعوي بالمنطقة، إنهم راسلوا السلطات من أجل بناء مستشفى يستجيب للمعايير المتعارف عليها في قطاع الصحة، ويضم الحد الأدنى من التجهيزات الطبية والأطر المؤهلة، “لكننا لم نتلق أي جواب من المسؤولين، بل حتى نظام “راميد”، الذي دخل حيز التطبيق، يبقى من المستبعد جدا أن يستفيد منه السكان المحليون للمنطقة، رغم حالة الفقر والحاجة التي يعيشونها، جراء وضعيتهم الاقتصادية المتأزمة”.
ويضيف نفس الفاعل الجمعوي “في ظل غياب سيارات الإسعاف عن المنطقة، أضطر في كثير من الأحيان إلى تحويل سيارتي الخاصة إلى سيارة لنقل المرضى والنساء الحوامل، رغم أنني أجد صعوبة كبيرة في ولوج أزقة القرية بسبب كثرة “الخراجات”، لأنقلهم إلى مستشفيات العاصمة أو الخميسات، في انتظار أن تفي الجماعة بوعدها باقتناء سيارة رباعية الدفع، بغرض تحويلها إلى سيارة إسعاف”.
كل المشاريع الصغيرة التي تطمح الجماعة القروية للمعازيز إلى إنجازها، تبقى متعثرة بسبب النقص الحاد في المداخيل الذي تعاني منه، مما يجعل منها إحدى أفقر الجماعات القروية في المغرب، “فمداخيل الجماعة تتمثل أساسا في مستحقات السوق الأسبوعي، التي تبلغ 35 مليون سنتيم سنويا، إضافة إلى الإعانة التي نتلقاها من وزارة الداخلية، والتي تبلغ 260 مليون سنتيم، تصرف منها 180 مليونا أجورا للموظفين، وما تبقى غير كاف لتلبية حاجيات الجماعة على بساطتها”، يقول مبارك بونوار، نائب رئيس الجماعة القروية للمعازيز.
محمد الرسمي – المساء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق