الأحد، 25 نونبر 2012

مَسِيرَة غَزَّة التَّضَامُنِيَّة


الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، على طول حائط نزهة حسان اصطفت حافلات نقل عمومي، حافلات نقل مدرسي، حافلات نقل مزدوج.. كل العربات تحمل يافطات تشير إلى المدن التي جاءت منها.. فاس، تاونات، تازة، مكناس، مولاي يعقوب... كلها مدن جيء بجزء من ساكنتها للتضامن مع غزة.
- طْرِيقْ طْوِيلَة ضْرْبْتُو أَشْرِيفْ..وْ كْلّْفْتُو رَاسْكُمْ بَاشْ تْجِيوْ للرْبَاطْ؟
- الطْرِيقْ طْوِيلَة، وَلَكِنْ الْعَمَالَة، الله يْجَازِيهُمْ بِخِيرْ خْلْصُو لِينَا لْكِيرَانْ وْالْمَاكْلَة. يجيب أحد المواطنين القادمين من تاونات.
عمالة تاونات ليست الإدارة الترابية الوحيدة التي تكلفت بنقل المواطنين لمسيرة الرباط المتضامنة مع غزة، عشرات المواطنين القادمين من آيت باها، بمنطقة سوس، أكدوا أيضا لهسبريس أن عمالة الإقليم تكلفت بكل تفاصيل السفر قصد إيصال صوت "الغاضبين" من السياسة الإسرائلية إلى شوارع الرباط.
بعد أربعين دقيقة من انطلاق المسيرة كان حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، وإلى جانبه حليفه في الحكومة نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أول الواصلين إلى شارع النصر. صلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار المعارض، مصطفى باكوري، الأمين العام لحزب الاصالة والمعاصرة، وإلى جانبهما فتح الله ولعلو، عمدة الرباط، وقفوا كتفا بكتف في الصف الأول من المسيرة. محبّوا التقاط الصور، وعدد من القادمين من مدن بعيدة، ضربوا طوقا على "زعامات المقدمة"، مَا خلق حالة ازدحام جعلت الذكورين يتصببون عرقا، بينما علت وجوه بعضهم حمرة من شدة الحر، لم تنافسها إلا حمرة الأعلام الوطنية المرفوعة فوق رؤوسهم.
- أَخُويَا خْلِينَا نْتْصْوْرُو.. رَاهْ هَادْ النَّاسْ كَنْشُوفُوهُمْ غِيرْ فْالتْلْفَزَة.. يجيب مواطن على أحد مرافقي كريم غلاب، رئيس مجلس النواب، و هو يحاول الخروج من زحمة المتجمهرين.
عبد الحفيظ ولعلو، نائب رئيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، خطب خطبة "عصماء"، تحت قوس باب الرواح، قال فيها "إن الحضور المكثف للمسيرة دليل على استمرار الشعب المغربي في مساندة الشعب الفسطيني.."، عضو الجمعية "المحاصر"، صحبة "شباط ومن معه" من رؤساء أحزاب وهيئات، لم يكن في الحقيقة إلا وسط مجموعة لا تتجاوز 100 فرد.
حسن فلاح، القيادي بحزب الاستقلال، يعلق على الموضوع قائلا لهسبريس "إن حركت 20 فبراير أثّرت في السلوك الاحتجاجي للمغاربة، ممّا جعلنا أمام مسيرة مقسمة إلى مجموعات صغيرة، و داخل كل مجموعة: كُلْهَا يْلْغِي بْلْغَاهْ.."، بينما وصف صحفي بجريدة يومية بسخرية المشهد قائلا: "هو صراع على مقدمة المسيرة، تحول فيه حميد شباط الى أرنب سباق، فوصل نهاية المسير ضمن زمن قياسي".
مباشرة بعد انصراف مزوار، الباكوري، شباط، ولعلو ومن معهم.. ظهرت مجموعة أخرى يتوسطها عبد الاله بنكيران. رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، حيث التحق بالمحتجين في نهاية شارع مولاي يوسف، على بعد أمتار من خط النهاية، تاركا وراءه قيادات حزبه، ومعها قيادات جناحه الدعودي حركة الاصلاح والتوحيد.
مشى الرجل بضع خطوات تحت حماية عدد من أعضاء شبيبته الذين وضعوا أيديهم في أيدي بعض رجال الأمن بلباس مدني و شكلوا سلسلة بشرية في اتجاه سيارة الدفع الرباعي "تيوتا برادو" التي كانت تنتظر بنكيران قرب الباب الخلفي للقصر الملكي.. اعتلى بعدها منسق عمل الحكومة سيارته، حيث السائق متأهب للإقلاع، حيّى المحيطين به تحية "الفاتحين"، أغلق عميد شرطة الباب وراء المسؤول الحكومي، فانطلقت "الكات كات" تخترق صفوف المحتجين الذين كانت بينهم امرأة على كرسيّ متحرك وتحمل رسالة لم تصل الى بنكيران الذي لم يكن منتبها جراء حماس المتجمهرين الرافعين لشعار "تحية إسلامية للحكومة المغربية" وهم يودعون زعيم "الحكومة شبه الملتحية".
"عاش الملك".. هكذا كان يهتف رجل بأعلى صوته وهو يمسك بلافتة ويرتدي جلباب صوفيا و طاقية تظهران أنه قادم من إحدى القرى الجَبلية بالشمال، إلى جانبه العشرات من المواطنين يحملون صور الملك محمد السادس و يدعون له بالتوفيق والسداد في مجموعتهم التي غابت عنها شعارات داعمة لغزة.. غير بعيد عن مجموعة "الرجل الجبلي" وقفت مجموعة أخرى في مفترق الطرق الذي يربط شارع مولاي يوسف بشارع محمد الخامس وهي تحمل يافطة مكتوبة، مطبوعة بنفس حروف و معايير خطّ الرقن لعشرات اللافتات الموجودة بذات المسيرة، وتعلن أن "مدينة القصر الكبير تبارك المبادرة المولوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده لإرساله البعثة الطبية لقطاع غزة".. مجموعة ثالثة، توسطها ثلاث شبان، كانوا يرددون "مبادرة ملكية لغزة الأبية".
"عصبة الشمال لبناء الاجسام" شاركت أيضا في المسيرة، حيث حمل بعض المحتجين في مجموعتها شعار "طْلْقُونَا عْلِيهُمْ.. طْلْقُونَا عْلِيهُمْ".. أصحاب العضلات المفتولة لم يكونوا الوحيدين في وعيدهم لإسرائيل، بل كان إلى جانبهم أعضاء "الجمعية المغربية للعشابين المخضرمين و المتجولين بالمغرب" و جمعية "التآزر لمرضى السكري" و جمعية "الصفاء لبائعي التبغ و المواد الغذائية بأسفي" و "جمعية طلائع أطفال المغرب بفمّ العنصر" و "متطوعي المسيرة الخضراء فرع تاكزيرت ببني ملال"، هؤلاء وجدوا صعوبة في التأقلم مع أي شعار بعيد عن منطوق "بالروح بالدم نفديك ياغزة".
وسط كل هؤلاء كان بعض المنتمين لـ"الشباب الملكي" وهم يتجولون فيما يشبه دور "الملاحظ".. أمين البارودي، أحد وجوه هذ الحركة والمعروف بعدائه الشديد للحراك الشعبي في نسخته المغربية، قال لهسبريس إن "المسيرة مخزنية مائة بالمائة"، والدليل، حسب البارودي دائما، هو "تهافت الأحزاب على الواجهة".. عدد الجمعيات القادمة من مدن بعيدة يبين "أن الشعب خرج صْحَّة.. ونقولْها رغم أنِّي من الشباب الملكي" يضيف البارودي.
كمال بوتادلة، بائع متجول، جاء من مدينة مراكش ووصل إلى الرباط على الساعة السادسة و النصف صباحا حسبما روى لهسبريس.. اختار كمال بَيْع رايات مغربية للحاضرين في الاحتجاج.. "تْكْلْنَا عْلَى الله وْالْحَرَكَة مْزْيَانَة، الرَّايَاتْ تْبَاعُو.. وْالْمَسِيرَة نْجْحَاتْ" هكذا علق التاجر المراكشي على المسيرة، دون أن يحدد إن كان يعني مسيرته التجارية أو المسيرة التضامنية مع ساكنة غزّة.
أمام البرلمان وقف شاب عشريني وهو يحمل كوفيات فلسطينية مغلفة بالبلاستيك.. "عْشْرِينْ دْرْهْمْ لْلْبْيَاسَة" هكذا كان يصيح ناصر محمد القادم من خريبكة والذي وجد في التضامن فرصة لتحسين وضعه المادي.. الشاب يقول إن "لكل مسيرة بضاعتها" وأن اليوم "فرصة للتضامن و الربح المادي أيضا" أو "حجة وزيارة" كما علق ساخرا.
أسرى حرب الصحراء اختاروا الوقوف على الرصيف المقابل للبرلمان، حيث داوموا على الاحتجاج منذ 249 يوم، ورفعوا لا فتات من بينها « notre dignité = nous reconnaitre et reconnaitre nos droits » .
بالنسبة لمصطفى شوبان، وهو أحد المعتصمين، فالمسيرة فرصة لتعريف المواطنين بقضية أسرى تندوف التي لا يعرفون عنها الكثير، كما أنها فرصة سانحة لوضع الساسة المشاركين في التظاهرة أمام مسؤولياتهم.. موقفي سعيد، زميل مصطفى في الأسر، قال لهسبريس إن الأهم في نظره هو "مسيرة من أجل تحرير بَشَّار وتندوف، أو على الأقل سبتة ومليلية، بدل قتل الروح الوطنية في الشباب من خلال تصدير التضامن" يورد ذات المتحدّث.. موقفي قال إن "مواقف جورج حبش المساندة للبوليساريو، و إهانة ذات القيادي الفلسطيني للعلم الوطني المغربي أمام أعينهم إبان فترة الأسر فوق التراب الجزائري، قتلت فيهم كل مشاعر التضامن مع قضية العرب الأولى".
وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة: المسيرة تعبير من الشعب المغربي عن تضامنه المبدئي الثابت مع الشعب الفلسطيني.
محمد الفيزازي: خرجت في مسيرة الربا ط لأنها الأولى التي أعلن عنها.. كان الأولى أن تكون المسيرة واحدة وليس مسيرتان.
سفير فلسطين بالرباط: التضامن ليس غريبا على الشعب المغربي و ملكه و برلمانه و أحزابه ونقاباته و مجتمعه المدني.
فاطمة (52 سنة) ، جمعية "الانطلاقة للتنمية والثقافة": سْجْلْ أَوْلْدِي سْمِيْتِي، رَاهْ جَابُونَا للرْبَاطْ إِلَى جَابْ الله شِي مَعُونَة لْلدْرَاوْشْ.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق